دور الوقف في تنمية المجتمع
أحمد الحداد -
إن الله سبحانه وتعالى قد شرع لعباده الكثير من الطاعات التي تقربهم إلى رضوانه، وبها ترتفع منازلهم في الجنة، ومن هذه الطاعات هو نظام اقتصادي عظيم، لم يأتِ به إلا الإسلام؛ وهو الوقف.
ومثلما يعلم الجميع أن الدول والحكومات تقوم على ثلاثة قطاعات أساسية وهي القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي الذي يدخل في صميمه الوقف؛ فالوقف هو حبس مالٍ أو عينٍ يمكن الانتفاع بها في وجه من وجوه الخير، مع بقاء العين لتكون قربة إلى الله تعالى وبها يبتغي الواقف مرضاة الله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: «لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)». آل عمران، يخاطبنا الله سبحانه وتعالى بأننا لن ننال الجنة حتى نتصدق وننفق مما نحب وخير نفقة وخير صدقة هي التي تدوم؛ والمتمثلة بالوقف.
ومثلما ذكرنا في بداية المقال أن الوقف نظام اقتصادي وهو يتركز بالأساس على النهوض بالفرد المسلم وتنميته وتحقيق العيش الكريم له، وهو يجسد لنا أبلغ صور التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع؛ إذ نرى أن أبناء المجتمع يتسابقون في تشييد المساجد ومدارس القرآن الكريم والمباني الوقفة وغيرها من المشاريع الوقفية التي تهدف إلى تنمية المجتمع.
ومن عظمة هذا النظام بأن ثوابه يبقى إلى يوم القيامة؛ حيث جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». فالصدقة الجارية هي الوقف؛ لأن الدنيا فانية، والآخرة هي الباقية.
ولهذا فقد بادر أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقف؛ سواء بجزء من أموالهم أو كآبار مياه أو نخيل وغيرها من الأموال التي يجوز فيها الوقف؛ كل ذلك طاعة لله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
فكلما كان الوقف أنفع كلما كان أجر الواقف أعظم عند الله، كأن تكون بلدة بحاجة إلى عقار من خلاله يتم سد حاجات الفقراء والمساكين بتلك البلدة، فإن أجر الواقف -بإذن الله- أعظم عند الله إنشاء غيرها من الأوقاف التي ليست البلدة بحاجة إليها كالمساجد؛ فلهذا ينبغي على الواقف أن يختار الأنفع والأنسب عندما يريد أن يوقف، ولا يحصر الخير أو الوقف في مصرف أو جهة واحدة.
فمن نِعم الله علينا في السلطنة بأن ثقافة الوقف متنوعة ومتأصلة ومتجذرة في مجمعاتنا منذ زمن بعيد -ولله الحمد- مع قلة ذات اليد في بعض الفترات والحقب التاريخية بالسلطنة إلا أنه نجد فيها من الوقوفات الكثيرة؛ فلهذا كان لزامًا علينا جميعا الحفاظ على هذه الوقوفات وتنميتها ونشر هذه الثقافة وغرسها لدى الجميع.
وكذلك من النِعم أن الحكومة أنشأت وزارة تقوم على الأوقاف وترعاها وتشرف عليها وتحرص على تنميتها، والتي أوجدت مديريات ودوائر مختصة ومؤسسات وقفية لتحقيق تلك الأهداف التي من شأنها أن تنهض بالمجتمع، وفق رؤية خطة عمان 2040م.